00447519374782
سلة الخير
-

القيمة الروحية للنذر: أهميته في العبادة وأحكامه الشرعية

النذر: أهميته في العبادة وقيمته الروحية

يرى العلماء أن النذر -المتحقّق بالشروط الشرعية للنذر- ما هو إلا تعبيرٌ عن محبة الإنسان لله ومعرفته إياه؛ فإن المسلم إذا عرف الله حقيقةً نذر له حياته كلَّها، وهو محاولة من الإنسان لالتزام الطاعات والتقيّد بها؛ فعند تفسير الآية ٢٧٠ من سورة البقرة {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}، عرَّف أبو الثناء الآلوسي النذرَ فقال: "النذرُ عَقْدُ القَلْبِ عَلى شَيْءٍ والتِزامُهُ عَلى وجْهٍ مَخْصُوصٍ، قِيلَ: وأصْلُهُ الخَوْفُ لِأنَّ الشَّخْصَ يَعْقِدُ ذَلِكَ عَلى نَفْسِهِ خَوْفَ التَّقْصِيرِ".
وقد أثنى الله على المُوفِين بالنذر وعدَّهم من الأبرار الموعودين بالجنّة، حين قال الله -تعالى- في الآية السابعة من سورة الإنسان {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}.

الغاية الروحية من النذر

الغاية الروحية من النذر: كيف يعزز الإيمان والتقوى

إن الهدف الأسمى من النذر هو التزام الطاعات والتقرّب بها إلى الله، تعالى، لئلّا تتفلَّت الفرائض على مَن خشيَ على نفسه قلّة الامتثال لها. ولذلك فالنذور المتقيّدة بالضوابط الشرعية للنذر تعمل على رفع توقّعات الإنسان من نفسه وحافزيته للعبادة، مما يُسهم في الارتقاء بروحانيته والتزامه بالضوابط الشرعية والأخلاق الإسلامية.

النذر في القرآن والسنة: نصوص وأمثلة

  • يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [سورة البقرة: ٢٧٠].
  • ويقول أيضًا في وصف الأبرار: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [سورة الإنسان: ٧].
  • وفي سورة الحج: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [سورة الحج: ٢٩].
  • وجاء في حديث النبي ﷺ قوله: «مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ.» [رواه البخاري، ٦٦٩٦]
  • وقد «سَأَلَ عُمَرُ النبيَّ ﷺ عن نَذْرٍ كانَ نَذَرَهُ في الجاهِلِيَّةِ، اعْتِكافٍ: فأمَرَهُ النبيُّ ﷺ بوَفائِهِ.» [رواه البخاري، ٤٣٢٠]
  • ورُويَ «أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه نَذَرَ في الجاهِلِيَّةِ أنْ يَعْتَكِفَ في المَسْجِدِ الحَرامِ - قالَ: أُراهُ قالَ لَيْلَةً: -، قالَ له رَسولُ اللَّهِ ﷺ: أوْفِ بنَذْرِكَ.» [رواه البخاري، ٢٠٤٣]
  • وكذلك «اسْتَفْتى سَعْدَ بنَ عُبادَةَ الأنْصارِيَّ النبيَّ ﷺ في نَذْرٍ كانَ على أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أنْ تَقْضِيَهُ، فأفْتاهُ أنْ يَقْضِيَهُ عَنْها، فَكانَتْ سُنَّةً بَعْدُ.» [رواه البخاري، ٦٦٩٨]
  • وقد «رَأى النبيَّ ﷺ شيخًا يُهادى بيْنَ ابْنَيْهِ، قالَ: ما بالُ هذا؟ قالوا: نَذَرَ أنْ يَمْشِيَ، قالَ: إنَّ اللَّهَ عن تَعْذِيبِ هذا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ. وأَمَرَهُ أنْ يَرْكَبَ.» [رواه البخاري، ١٨٦٥]
  • وقال النبي ﷺ: «كَفّارَةُ النَّذْرِ كَفّارَةُ اليَمِينِ.» [رواه مسلم، ١٦٤٥]
  • وقال أيضًا: «من نذر نذرًا لم يُسمِّه فكفّارتُه كفّارةُ يمينٍ ومن نذر نذرًا في معصيةٍ فكفّارتُه كفّارة يمينٍ ومن نذر نذرًا لا يطيقُه فكفّارتُه كفّارةُ يمينٍ ومن نذر نذرًا أطاقَه فلْيَفِ به.» [رواه أبو داوود، ٣٣٢٢]

أوفِ بنذرك الآن

فضل الوفاء بالنذر وأثره الروحي

متى التزم المرء بما نذره لله، فإنه يشعر بارتقاء روحي وسمو أخلاقي يدفعه للتقيد بالمزيد من العبادات والانتظام فيها، فتقلّ فرصة تفلّته منها أو إهمالها. وفي هذا الأمر ما فيه من تحفيز للإنسان على التزام طريق الخير والحق، والتمسّك بالآداب والأخلاق الحميدة. واستمرار الإنسان على عهده الذي عاهد الله به، وفاءً بالنذر، علامةٌ على حُسن توبته وقبولها عند الله، وهي دلالة على توفيق الله إياه لعمل الصالحات في الدنيا، فيُرجى أن ينال الثواب بهذا الثوابَ الجزيل في الآخرة.

أمثلة من حياة الصحابة والتابعين في الوفاء بالنذر

لقد كان الصحابة شديدي التقيّد بالنذر والوفاء به، فسعوا إلى الالتزام بما نذروا هم أنفسهم أو نذره آباؤهم، ولو كان ذلك في الجاهلية. فقد سأل سعد بن عبادة رسولَ الله عن نذرٍ نذرته أمه وماتت قبل الوفاء، فأرشده إلى الوفاء به برًّا بها.

وكذلك كان الفاروق عمر حريصًا على إبراء ذمته حين وفّى بنذرٍ كان قد نذَرَه في الجاهلية (في أمرٍ مباح في الإسلام، وهو الاعتكاف في المسجد الحرام)، فأمره النبيّ أن يفيَ به.

إذا لم تستطع الوفاء بنذرك، يمكنك التكفير عنه

كفارة النذر
عودة للأخبار